مختارات للشاعر الليبي المدهش: عبدالباسط أبو بكر محمد

قبركَ يُناديكَ

تناديك تُربتكَ
وقبركَ
يبحثُ عنكَ
سواءً أشرعتَ صدركَ
لرصاصةِ قناص
أو أبحرت عبر (المتوسط )
ليكون قبركَ
في بطون أسماكه.

لا فرقَ
فالقبرُ
يمكن أن يكون فكرةً
تحملها
تستسلمُ لمناوشاتها الكثيرة
وعندما تجد طريقها إلى لسانكَ
تكون طريقكَ للقبر مفتوح
يمكن أن يكون أيضاً
قارباً يحملكَ
لينقلبَ فجاءةً في وسط المحيط.

تربتكَ تُناديكَ
فأحملَ دائماً معكَ
حفنةً من تُرابِ الطفولة
وصوت الأجداد القديم
وهو يرسمُ
ممراً في عتمتكَ الحالكة.

لا فرقَ
في القبور
( ما تحمله  و ما يحملكَ )
المهم أن تظلَ ناضحاً
على قدرِ فكرتك الكبيرة
مُمتلئاً بالحياةِ
إلى رمقكَ الأخير
وضاجاً بالبوحِ
في وجهِ قاتلك.

_٢_

معادلةٌ بثلاثةِ مجاهيل

يخذلكَ الحنينُ 
وهو يفتحُ نافذتكَ صباحاً
مُتكسراً على سفوحِ الغياب
تخذلكَ الأمنياتُ
وهي تستلقي في جدولِ اليوم
منزوعةً من سياقِ الأمل 
و منتفضةً كديكِ 
يترقبُ سقوطَ قطرة مطر عليه 
يخذلكَ الجنون
الذي تُحاول أن تكون فيه
فكرةً طارئةً لا سياقَ لها
تخذلك الأبوابُ
التي لم تطرقها
والطرقات القديمة
التي تُجددُ  أُلفتها لخطواتكِ الجديدة 
يخذلكَ الترقبُ 
حين تدورُ عليه رحى الواقع 
وتخذلكَ الذكرى 
و هي تفترسُ صوتُ جدتك العتيق
الذي كان ينيرُ عتمة الشتاء 
كبرقٍ عامرٌ بالخصب
يخذلكً الاصدقاءُ 
وهم يقترحون مشاغلهم
معادلةً بثلاثةِ مجاهيل 
تعجزُ عن حلها 
وتُحيلها لقائمةِ عجزك الطويلة 
يخذلكَ الانتظار
و حماقاتُ الساسة 
وهم يعُلنون النهار القادم 
محطةً للارتباك 
بمرور صحبهم في جوانبه 
يخذلكَ الحرفُ 
الذي تتسترُ به 
كلما تفتتَ في المدى البعيد 
رجائكَ المعتق
تخذلكَ الخيبة
و أنت تستجيرُ بها 
و تُسلمها ما تبقي في جعبتك 
من محاولات
تخذلك المفاتيح 
حين تركن للصدأ
وهي تتلعثمُ في حوار الأقفال 
تخذلكَ صُرة الحكايات 
التي كنتَ تفتحُها 
عندما يغمركَ الكلامُ المُعلب 
و تتصحرُ من حولكَ براري البلاغة
تخذلك الزغاريد 
وهي تفقدُ وجهةَ الفرح 
وتُساير ركب الأنين 
تخذلك الوسادةُ 
وأنت تتقلبُ عليها ليلاً 
تُحصي كم من رهانٍ خاسر 
يتراقص في رأسك 
ليوقظك ضجيج الكوابيس
على رهانٍ آخر 
يخذلكَ الضحكُ
في منتصفِ بوحكَ
وأنتَ تُحاولُ أن تسترَ به
ما تراكم في روحك
من شُروخ
وتوقظ به ما تبقى في صدرك
من فرح.

_٣_

معكِ  دائماً نظريات جديدة

في أفقِ الاحتمال المسكون بكِ
لا يستطيع أي محللٍ سياسي
أن يسهبَ في فهم ما حدث
دون أن يعترف بسموكِ الشرعي
ولا يستطيعُ طالب الثانوية الخائب 
أن يسلم ورقة الامتحان الخالية 
من الإجابات 
دون أن يقترحكَ جواباً نهائياً
ولا يستطيع أي مصرفي مرتبك 
يتثاءبُ أمام ألة العد 
أن يحصي مروركِ في البال 
ويضبط مؤشر اللهفةِ

على إيقاع بوحكِ المتصاعد
وجودكِ  شرطٌ للحياة 
وتفاصيلكِ الحميمة 
لا يحيطُ بها شاعرٌ لم يتخطَ عتبة الحداثة 
و لا تُمرره صوره القديمة من خلال 
غابة التقنية المتشابكة
ليس هناك ما هو أرفع من وقع حذائك
وهو يعبرُ صوت الغد 
وليس هناك إلا أنتِ
تُخيطين كل لحظةٍ قميصاً
جديداً للكلمات في عُريها
وتستندين على حائط الوجع
تُبددين ما تراكم من أنين
وتُشتعلين العالمُ  بين يديكِ
ملهمةٌ كوحي الأنبياء
و كدفاتر العشاق  الملونةُ بالخيبات  ب
أي لغةٍ مهوسة تُفسرين
تأتأتي البدائية ؟!
معكِ  دائماً نظريات جديدة 
تفسرُ هذا الكون 
وتثبتُ كلَّ مرةٍ  قدرتكِ على الوثوب 
على الحروف والمعاني
قدرتكِ على السطوع  كأفقٍ مكتظٌ بالبشارات 
و مزهوٌ بالمطر.

_٤_

لا يدَ غيرها

لا يد غيرها 
تلك التي تمسكُ فيك  بقايا نزقكَ
وتسند نهارك المائل
وتمنحكَ حفنة ألعاب.

ولا وجه غيره
ذلك الذي يسكبُ في  فنجان قهوتكَ سكراً
لا ينحني لمرارة وبوحاً
لا يأسره الكافيين.

لا عطرَ غيره 
ذلك الذي يمرُ في حواسكَ
ويوقدُ فيكَ إيقاع الرجاء
ويوقظ رائحة الحنين.

لا حكاية غيرها 
من فم عجوزكَ
ممزوجةٌ برائحة طيبتها
وبخورها الذي لا يموت.

لا امرأة غيرها 
تلك التي تنهضُ  بأنوثتها
في قيض خوفكَ
تمسد  جرحكَ الطازج بأصابعَ من أمل
وتحرثُ رمادكَ
بحثاً عن جذوةٍ عنيدة.

_٥_

وفي روايةٍ أخرى !

الفكرةُ لا ترنو لأفقٍ مُنهك 
الفكرةُ سربٌ من الأوهام 
التي لا تنفرط
والقصيدةُ الطليقة لا ترتبك
حين القطاف 
القصيدةُ سريرُ الشاعر 
ولعبته التي لا تشيخ
وحده رأس الشاعر 
يدرك مدى الحرية
عندما يحلقُ بعيداً عن جسده 
لك في الموت  سيرة أخرى 
غير التي يرويها سكين الجلاد 
لكَ مسار الكلمات المشع
في جسد النهار المكبل  بالمشعوذين
رأسكَ الثقيلة ترتاحُ الآن 
من وهج الأفكار الطائشة 
وتحلقُ بسلام
و تنام قريرة العين  في فردوس الشعر
خالدةٌ هواجسكَ قربَ المذبحِ
و جامحةٌ  ظلالٌ الرؤى الخالصة 
وهي تنتفض في غفلة الموت
وفي روايةٍ أخرى
يبزغُ من دمكَ ديوان شعر
و تسمو فكرتك لِتُطاولَ الجنون 
وفي التأويل  هي الردةُ
فالوقتُ قِماطٌ ضيق
والرأسُ المثقل  قنديلٌ
حين يحينُ قطافه.

_٦_

( في الجُبةِ ألف سؤال )

مشاكسٌ
كإشارةٍ ضوئية لا تعمل
و بعيدٌ
كطريقٍ ممتلئٌ بالحفرِ
أنا
صدى أغانيكِ
أيتها البلاد
و وحل شوارعكِ القريب
كلما تدلى منكِ حزن
رجمته الأغاني
وباركته الزغاريد
نحبو إلى غيمكِ
كعصافيرَ ثملة
في الجُبةِ
ألف سؤال
لا يكون
إلا في رقص دراويشكِ
عالٍ فرعكِ
أيتها البلاد
و أصلك ثابت
و زيتكِ يكادُ يُضئ
لو لم تنثره البنادق
في كف الأشباح
نستوي على الهذيان
كنشرةٍ تقارع فوضى العالم
وتُقطرُ الأفق البعيد
في ضحكاتٍ مؤجلة
نبوح للجهات الجامحة
بما تبقى في الروحِ من بهاء
ما في الجِرابِ غير العتمة
فأسكب كأسكَ
للظلالِ العابرة
لزفةِ الأصداء
تُبددُ السراب في جفون القتلة
للتراب حين يحنو
على الرؤوس المتدحرجة
للريحِ حين تُرممُ صراخ
المُريدين
وتصفحُ عن المدى المنهك
وترفلُ زاخرةً باليقين.

_٧_

رهين المحبسين

خفف الوطء
فالقبرُ يتسعُ الآن
و أديم انتظاركَ
وسادةٌ تغفو عليه الرؤى
و العمرُ المُشاكس
سطرٌ ينتفضُ في الخلاء
مُربكاً شكلَ الكلام
و تضاريس الحكاية.

حفف الوطء
ما أظنُ سؤالكَ العابر
إلا جثةً مرميةً
ضاقتْ به سفينةُ اللجوء
فاتسع لها البحرُ
يلتهمكَ الموجُ الآن
كقبرك تماماً
كوجهِ أمكَ البعيد
يتفتتُ في الغيابِ
ويزهرُ بالأدعية
كلما أرهقها صعودك  إلى تلال الوهم  كذكرى مازالت تحفرُ في الروحِ
مسارب إلى الحزنِ  كلما نفضتَ سترة الحنين
تبحثُ فيها عن ما تبقى من ألعابكَ وكلما بزغ في شوارع الوطن شهيدٌ جديد
كل شيء يخرجُ عن السياق
ولا رجاءَ يضئ  تفاصيلَ عتمتك
ولا عتبةَ تحضنُ خطواتكَ المتناسلة
أنت الآن
رهينُ محبسيك
خوفك
و
المنفى !!


عبدالباسط أبو بكر محمد/ ليبيا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة