قصي زهر الدين: ديوان ضوء قصير سرير بارد
هو صوت
هو صوتٌ
يلفظني
كنايٍ تصدَّأ في غمامةٍ؛
لأعاتبك كثيراً
وأحدثَك عن الصبر القبيح
عن موائدك الرَّحبة وضيوفك الجياع
وشهوةِ الانتظار خلف النوافذ:
نظراتٌ توسِّدُ طَمأنينةَ اللاجدوى وترطبُ المسافة.
عن الماء ..
والقلوبِ المتصحِّرة
المرتعشاتُ في الظِّل والمرتعشون في الضَّوء :
وجوهٌ تدورُ في مرآةٍ كثيرةٍ لذكرى توجِّج الغرق
كثرتُهم ووحدتي..
كثرتهم
و
وحدتي؛
............. ............
............. ............
............. ............
وأصابعٌ تآكلها الرَّبيع
منذُ
مساءاتِ الرَّغبة
مدُّ الجسد كلما بلَّله نداء
سأخبركْ:
كيف تضمُ بين شفتيها الصَّغيرتين؛
الانتظارَ الذي يشبه الصَّبر
الصَّبرَ الذي يشبه الماء
الماءَ التي تشبه الصَّحارى
الصَّحارى التي تشبه الضوء
الضَّوءَ الذي يشبه الظِّل
الظِّلَ الذي يشبه الجوع
الجوعَ الذي يشبه الحنين
الحنينَ النازف شخوصاً
كثَرتهم
و
وحدتي.
سأخبركَ عن حبيبتي
ومشانقٍ تحصد أعناقَ الانتباه
مشانقِ الهدايةِ نحوكْ؛
ليبقى هدوؤكْ.
أخبركْ:
أن الصمتَ أوسعُ من خبزك
أضيق من فرح
والحرية قلقٌ..
أخبركْ:
كيف تنهدمُ منازلُ الروح
وكيفَ
يتكاثر الخريفُ في جسد.
........
........
هو صوتٌ؛
يلفظني
لو يبلِّلُ
نضارةَ عينيك!
ما زلت
أذكرُ كنتَ تقول:
"البحرُ شاسعٌ والنّجوم بيضاء
وفي الأفق قمرٌ خجول
يبتسمُ للمراكب..."
كنت تخشى على الرّملِ من خشونة قدميك
وعلى الصّبحِ
من جرحٍ ينجو.
أذكرُ
كم حدثتني عن الشّمسْ
يحملها طائرٌ أزرق
وعيونٌ أتلفها البرد.
وأذكرُ...
في عربة القطار..
كيف غادرتكَ المحطاتْ
عندما
راودتك فتاةٌ عن عطرها
بدوارٍ.. لا يشبه غيرَ عينيها
فعدتَ تلقن الكأسَ.. رغبة الأصابع.
قلتَ:
"الطريقُ قصيرةٌ لكنها المسافة!"
أنّكَ هنا، وآخرٌ هناك يشبه صوتك.
أذكرُ..
أن حدثتني
في مكانٍ ما
متسولٌ يتربَّص القلوبَ الضّعيفةَ
كـ الأمل..
سيزور البيوتَ المطفأة
ويقدِّم الحلوى للأرواح.
أذكركَ
والحنطةُ تبلِّل شفتيك
أذكر صوتكْ:
"إن رميتَ وردةً فأصبت قلباً؛
خذ قِسطاً من النّدم
ثم اعتذر
اعتذر لقلبك".
أذكركَ
والمطرُ الكهلُ يحمل وجهكْ
كنت تحكي عن النّوافذِ الموصدةِ بوجه الغرباء
وشفاهٍ عراة
مزَّقها الرَّغيفُ الواحدُ.
أذكركَ
أذكر كأسك
وعينيك الثَّملتين
تروِّض الوجعَ المتكبِّرَ بأعذبِ صمتْ.
أذكرُ
قلت "سأرحل"
وأذكرُ
أنّك
مازلتْ.
وأذكرُ أيضاً..
كيف اصطادك الموجْ
وأنتَ
تهبُ الماءَ
نبيذَ
يديكْ.
لا شيء
لاشيء..
فقط تأخرتْ
تأخرتَ كثيراً.
ملامحُك ذائبة
ظلُّكَ الصاخبُ يهدمُ منزلك.
كآخرٍ..
تحاول جذبكَ
وبعضك الفاترُ.. يروي ظمأ الوسادة:
"كمْ كنتُ
كمْ
كمْ..."
فيجثو الوراءُ أمامكَ
كطفلٍ
يهمس في قلبك:
"أذكرك".
لاشيء..
تشحن وجهَك بالربيع
تخرجُ مُغمضاً لترى،
مدينةً.. لا يحصدها جوعٌ
أو قنبلة
صبيةً
تهدِّئ وردكْ :
كلُّ جميلةٍ أنثاكَ، كل ُرائحةٍ مصرعك
يوقظك شارعٌ.. يؤدي إلى الخبز..؛
لا شيء..
سكرانٌ مثلَ نايٍ لثمته أنثى.. فمسَّه الخدر
يغيبُ حيناً
وحيناً يعود
لوجوهٍ
أصابعٍ
كم عبرتْ ركامكَ
كم رحلَتْ.
لا شيء
مشرَّعٌ للضوء و الفجرُ رصاصةٌ
وأنتَ
لا
شيء
"عبورٌ.. صَخبٌ، أترفَه الحلْم فأيقظه".
ظلُّ الخطيئةِ
تأمَّلَ المرآة حتّى آخره..
صفعَ لحيتهُ
الـ تهدر كقتيلٍ مسجَّى على قاتلهْ
يسند الكرسيَّ بثقلٍ،
تواطأ عشرين انتقام.
يمسح صورةً
أقربُ قليلاً إلى الذّنب
ـ محدِّقاً تفاصيلَ غيابها الفتي ـ
يعصرها كجرحٍ
يقضم إبَر الشّحوبِ
يحضنها.. أعمقَ من وداع.
اتَكى على قوسِ عجزهِ،
يتأتئ الخطوةَ..
الـ تمضي بريقَ فضيحةٍ
انسكب على ركبتيهِ
ظلُّ الخطيئةِ
اعتذرَ
فاض
انحسر
ـ "... وأنا من هنا"
جمعَ الفراغ صرخةً
تهادى
حتّى آخره
مسترسلاً
كهدوءْ.
أنّكِ الوشاحُ كلما ريحٌ هدهدت للرقص،
أنكِ جميعُ ما يَبلغهُ الضوءُ، وأنّ الصبحَ مفردٌ
أنكِ الحقلُ يشيهِ مرورُك، وأنّ العطرَ اتكاؤك
أنكِ الوضوحُ، وأنّ الليلَ إفصاحُ ما تغمضين
أنك ثلجٌ، وأنّ النار سريرُك
أنكِ: أنهُ
كَشفُ اليقينِ وأنّ الطينَ خرافة.
لو تمطرين
جسدكِ
ظلُّ البياض على سماءِ اللَّون
وشهوةُ الرَّقص فوق الحلم.
هوَ
اِلْتمامُ الرحب في لغةٍ
سيقولها الضوءْ
وفضـاءٌ للرغبةِ؛
يدنو ويخبو مثلَ احتراقْ
نعِسٌ..
يهدي الصحوَ للغنائيينَ
أسطورةً متعبة.
مرآةُ الماء.. ورائحةُ البرد
يرثي الجمال
ويطفو
أعلى الرؤى
يحيك العطرَ.
هوَ
استكانةُ القوَّةِ وبلاغةُ الضعف
تميمةٌ لأنشودةِ السِّحر
و
سراحٌ
مغسولٌ ببكاء الأصابع.
هوَ هيَ:
جسدٌ صارَهُ أنثى
لأكتملْ
يتُها المتواطئةُ والأمـل
لو
تمطرين.
في وحدتك
في وحدتك
بقميصكَ الذي يهدأُ على انحناءٍ باردٍ
بمراياكَ..
التي مثلَ آخرٍ يشبه خفوتَ صوتك
ستكثرُ
مدينةً
ماجنةً
تديرُ الليل.
في وحدتك
تستطيع أن تقودَ البحرَ من ملحهِ لاتّساقِ شرفتك
أنْ تطوي الموجَ ثوباً
أنْ
تسكبه أكواباً كثيرةً من النبيذ
لأصدقاءٍ..
مازالت كفوفهم تعضّ على رسغِ الهواء.
تستطيعُ..
أن تملأ الجدارَ بامرأةٍ
لها نهدانِ عاريان
وقدمانِ تثبانِ ملءَ فراغك.
تستطيعُ ريفكَ
المكنوزَ برعاةٍ يقلّمونَ الجهات.
ثمّ .. أن تلمسَ موسيقاكَ التي لك:
/.. كأنْ تُشعلَ عازفةُ الكمانِ النحيلةِ
كؤوسَ ارتباكِكْ
وتصغي لحيرةِ عينيك..
أو أنّ راقصةً
تسندُ بابك الخشبيّ بخصرها النهر
وتميلُ دونكَ
حتى..
يسقطَ
قلبُك../
في
وحدتك..
وحدها البارحةُ ـ كتميمةٍ ـ ستحرسُ ظلكْ
طفلكَ الذي (أنت)
ثمّ ستعودُ إليكَ كاملاً
بينما مازلتَ تصرخُ
دون آخرٍ يشيرُ إليكَ، بسبابةِ الخطأ.
اهدهِ الأنثى ليبقى هوَ
يا هذا العدم البريق
نحيلتانِ يداه
تقضُّ العروقُ شهوةَ اللَّحم الطري
يفترس اللَّهبُ لهاثَه
كنبي..
ملَّ السجودَ البطيء
وتوارى
ملءَ الفراغِ كطيفٍ شهي.
نحيلتانِ يداه
ترتِّبُ الجسدَ على إيقاعاتِ الرمل
ـ بوابةٌ للريح
ـ شموعٌ تشرّدُ العتمةَ فجوات
وتميمةٌ ليجتمع..
سيرتِّلُ الغدَ القريبَ ليروِّضَ العدمَ
فيتصاعدَ أشجاراً تعلِّقُ العنقَ بينه
كأنَّه المسافة
فاهدأ يا هذا العدمُ البريق
لينطفئَ الركضُ
...واهدأ
سيدٌ أنتَ في حيواتِك الـ تمتدُ بينك
ماؤكَ إكليلُ هذي الأرض
طينكَ رماحُ الأسئلة.
سيدٌ أنت
تجمع القطعانَ في زرائب الانتظار
تقضم الجمالَ بفم الوقت
تمنِّي الخطوةَ بمطر الرجاء
والله
كماءٍ يرشح من مخدعك.
وهو...
المستوطنُ الأخير
ينزف فوقَ ملحك
رفضاً يحاول النبض
أنانيُّ الحزن
كليلُ التَّمني
فاهدأ يا هذا العدمُ البريق
وأهدهِ الأنثى؛
تغزلُ بنفسجَها على شهقاتِ الجسد الرَّض
المملوءةُ بها..تفوِّح الحريرَ
ـ صوتَها ـ
الوحيدةُ
تعزف شهوتَها بأنامل الرقصِ
على ضلع الخدر
لتبدِّدَ الصَّخبَ.. وتكثِّفَ المعنى
كانتباهٍ جميل.
ليبقى هو...
على قلقٍ يسحب ظلَّك القديم
يرفع الذراع القصيرةَ
ليشيلَ الوجوهَ عنك
مبحرٌ في ثناياكَ الصخرْ
يلوِّنُ المدى برؤاهُ
ومنك يعودُ يا هذا العدمُ البريق
فأنت ـ الأنا ـ اجتمعتَ
وهو فيك أنت
كرحيلٍ
مرَ سجوداً بطيء
وتوارى ملءَ الفراغ
كطيفٍ شهي.
حديثٌ يحصي غيابك
إليكِ
ليلى.
هكذا يتركونَ البرّ دونَ مسافاتٍ، يمرونَ عبر البيوتِ أو أمامها، ثم خلفهم الشوارعُ الفارغةُ والنوافذُ المطفأة؛ وكأنّها توّاً تقاسمت سلالَ النومِ أو الفقد..
هكذا.. يتركونَ المدنَ غباراً بعلاماتٍ هائلة، علاماتٍ تشي ثقلَ أقدامهم، ثقلَ الليلِ الذي وزّعوهُ ـ بغيرِ عدلٍ ـ لوجوهٍ ستبقى ظلالُها أبداً تدور على الجدرانِ وفي المرايا
هكذا.. وكنّا صغيرين نقبضُ بحبٍّ على أصابعنا، والبيوتِ التي تصعدُ كدخانٍ مقطوعٍ.
بعيونٍ صاخبةٍ
وشفاهٍ رطبةٍ،
نطلُّ ـ من بعيدٍ ـ على فراغِ المشهد.
كانوا يتحدثونَ عن الحرب
وكنتُ أتحدثُ عن يديكِ
يرتّبونَ الأطفال في صناديقِ البريد، ويذهبونَ بأصواتهم إلى مقابرٍ جماعية
وكنتُ..
أرددُ أغنيةً على كتفكِ العاري وأقودُ فمكِ جهةَ النبع.
كانوا يلمّعونَ الأغلالَ بأعناقٍ خافتة
وكنتُ أحرّر ذبولَ أصابعك من الورد..
من الدهشةِ والورد
يرفعونَ القنابلَ.. يحتسونَ أنخاباً فاترة
ويدرّبونَ أجسادهم على البقاء..
وكنتُ أحصي رائحةَ العناق و البرد الذي من شفتيكِ.
كانوا يجدلونَ أمشاطَ الرصاص..
وكنتُ أُسبِلُ هدوءَ شعركِ حتى نهاياتِ النهر
يرتدونَ العتمةَ، و يُسدلونَ الوصايا
وكنت أمامَ سريرِ نهديكِ.. أعرّي نافذةً على الضوء.
كانوا يهيلونَ الأجسادَ تُرباً على الأقفالِ والأبواب
وكنتُ مستسلماً، .. لسواقٍ تجفُّ في حديثكِ الطويل.
يشيّدونَ أبراجاً فتيّةً للموت .. و يبنونَ جدراناً هائلةً من الصراخ
وكنتُ
أشيرُ
لانطفاءَ عينيكِ
بصمتٍ
بصمتْ.
النخّاس
النخّاسُ في السوقِ القديمةِ
هناكَ
في عمقِ المدينة..
في الساحاتِ الريبِ والشوارعِ الواضحة
حيثُ العطّارينَ والحواة
يرتدونَ رائحةَ الطين و الجدرانَ الرطبة
حيثُ
الجدرانُ تسيرُ محاذاةَ الظلِّ
و
النوافذُ
أرغفةٌ مستديرةٌ لجوعٍ أقل.
النخاس في السوقِ القديمةِ
يمرُّ
مخفوراً بالزجاجِ والأطباقِ القشِ
دونَ البيوتِ التي
تتصاعدُ
كالحمّى.
يطفئ القناديلَ الزيتَ والعيونَ المالحة
بينما
من حوافِ الحدائقِ..
يُطلُّ القتلى
بأحذيتهم الصوف وياقاتهم المُتعبة.
النخاسُ في السوقِ القديمة
وثمّةَ
عرباتٌ تسندُ الظلالَ والزوايا
أطفالٌ يزولونَ حتى نهاياتِ الضوء
رجالٌ يجعلونَ الأبوابَ النحاسَ
ـ التي تتقي الغرفَ المعتمة ـ
ملاذاً للغرق..
و
نساءٌ شاحباتٌ
تعرّينَ من أسرارِهنَّ
كما الماء.
النخّاسُ
يمسحُ المشهدَ
بعيونٍ شابها الظنُّ
.............
.............
سيصعدُ المسرحَ الخشبي
والأجسادُ الحفاةُ
تموجُ
بينَ الأصابعِ والبروق:
تنهدمُ الأجسادُ..
ودمٌ فسيحٌ
ينزلقُ فوقَ الأدراجِ
الميّتة.
يقولون:
كانَ للمدينةِ تسعةُ أبوابٍ
وسورٌ عظيم.
حُبْ
تعالي
محاذاةَ الموسيقى
الموسيقى
التي لن تهدأ؛
كخدرٍ
تجتازُ الصمت
وتعبرُ جسدَكِ اللانهائيّ.
تعالي..
خارجاً،
يتقاسمونَ الرصاصَ كما الْتبغ
يوزّعونَ القمحَ هباتٍ للريح
والأجسادَ ثوباً ثقيلاً للفجر؛
ثمّ
يرتجفونَ تحتَ جلودٍ رماديةٍ
/ ريثما ينامون
...
...
..
بعمقٍ
بعمقْ../
تعالي محاذاةَ الليل
الليل الذي يتّقي
الشبهاتِ بالشبهاتْ
الضوءَ بالضوءْ..
والعتمةَ بعينيكِ.
تعالي..
فالموقدُ لا يخبو
الموقدُ شبَهٌ.. يقودُ الرغبةَ
والبوحُ القديمُ يتصاعدُ من فمهِ
مثلَ الْتماعاتٍ رخْصةٍ.
ـ سنجعلُ ظهرَنا للبرد ـ
النافذةُ مغلقةٌ تماماً.
الصورُ على الجدرانِ صامتةُ.
وأنتِ..
ـ أمامَ الموقدِ ـ
تحتشدينَ مثلَ غابةٍ حمراءْ.
خاصرتكِ العارية ترسم الظّل
وقدماكِ الصغيرتان؛
الصغيرتانِ جداً..
تطويانِ الحرارةَ.
تعالي..
الليلُ مُحكمٌ
صراخُ الخائفينَ يغبّشُ ارتعاشَ قلبينا
والعدمُ ـ الذي خارجاً ـ يحصي أسراهُ:
لا
يجيدُ
الإصغاءْ.
موعدٌ قديمُ في دمشق
لم تنضج الشمس بعدُ
قلتُ:
وصلتُ باكراً
قبلَ موعدي بضوءٍ قليلٍ يمتحنُ جسدَ دمشق
قبلَ الجوّالينَ والمشّائين
قبلَ الجسر الذي يتّكئُ على كتفي الهدوء
الجسر الذي
سيفترشُ سريرَ قدميكِ.
كنتُ وحيداً
أمام الواجهاتِ و بوّابة السينما.
حيثُ أنّ العشاقَ لم يغادروا ليلهم بعدُ،
حيث أنّ النسيانَ الكثيرَ الذي واسوْهُ
صارَ مدينةً؛
بشوارعَ ومقاهٍ وجرائدَ ومرتادين
كنتُ ذاهلاً..
أقيسُ المسافة بالبرد
والريحُ خلفكِ
أرجوحةٌ تردد جسدكِ النحيل
..........
..........
تحدثنا عن أشياءَ فقيرة
بينما ورودٌ وأساورُ تسقط من يديكِ
ثمّ مشينا واضحينِ كالظهيرةِ التي سبقتنا
ـ كم نحن غريبان ـ
كابتسامةٍ.. على شفاهِ الطفل الذي يلمّعُ الحزنَ وأحذية المارة.
..قمحٌ قصيرٌ يهذّبُ فيضَ كتفيكِ
وطيورٌ رماديةٌ وزرقاءُ
قلتِ:
ربما يمامٌ قلِقٌ ينسحبُ من مشهدٍ آخرٍ.
وفي الحافلة..
أيضاً تحدثنا عن أشياءَ فقيرة
كالجداولِ المضمومة
كأنما سريرٌ يهدهدُ لنهرٍ طفلٍ
كأنما حربٌ تزحفُ بأصابعَ متآكلة
كأنما فرحٌ يكمّم بيديهِ المطمئنتينِ فمَ الفراغ
وكنتِ في ظلّ كفي
تمسحينَ أنفاسك
أو غبارَ الطلعِ عن الزجاج
تلتفتين
وأبقى وحيداً
أيضاً أمسحُ غبار الطلعِ عن الزجاج.
لو تعلمين
وحيداً أشربُ الليل،
وأتهجّى ما يسمى (وطن)
تلك الجغرافيا...
الموبوءةُ بالطِّين واللَّزوجة.
تخرقني الجثثُ كالرصاص
وتشنقُ صوتِي رائحة
صوتي الـ كانَ غرفتَك.
لو تعلمين
صرتُ ملحداً
أشعلُ سيجارتي من شمعة
و
العيونُ الهاربةُ من الضوء
الموتى الذين يدحرجون المقابر
المتسوِّلون الذين يتّقون الخبزَ،
الأطفالُ الـ يفيضون عيداً ودهشة
السَّكارى الممتلئون ليلاً ونساء
أصبحوا أصدقائي.
لو تعلمين
أروِّض الحلمَ بإغماضة الكبح
وكلَّ صباح،أطعنُ جسَد نافذة
وأنتقم من الجميلاتِ اللواتي يهددن غرفتَك
أحرثُ الصور
أمسحُ غبار عينيك،
وأذرفكِ بصمت.
لو تعلمين
مازلت أمارسُ انتظارَ الحافلة.
كنتِ تقبضينَ كالشرطي على يدي
كالعفَّةِ على جبيني
كنتِ تهدِّئين الطريق وازدحامي
تحرقين عنُقي بإغفاءة
وتوثقين ما اصطادت أنفاسُك من خِدْرها
تلبسينَ تيَّارَ الماء الأكثرَ نضارةً
أسدُّ النَّبعَ بيمناي، ويسراي تنهب مفارقَ القبل.
تومئين:
"احتفظ بي"
لو تعلمين
مازلتُ أنتظرُ الحافلة
مُنذ عشرينَ أحبك.
ظلّينِ في الشبه
ليلاً
خلف عينيكِ أخضرَ يستعيرُ المجازَ.
رائحةُ الحرارةِ أسفلَ يديكِ الصغيرتين
تشي بالخشبِ الذي يحترق
يديكِ اللتين تعبثانِ بالعتمة
وحصى الكلامِ يسقطُ من فمي.
ليلاً
وصمتكِ مدينةٌ
تهبُ ظلّي شوارعَ أوسعَ لليقين
بينَ أبوابٍ تسعةٍ تحاولنَ خصرك.
فأضيعُ في شبَهٍ
عندما شفتيكِ تنكسرانِ عن حوافِ الكؤوس
عندما شعركِ يؤرّقُ الأقواسَ كما الضوء
عندما ..
انتباهكِ
التفاتكِ
وضوحانِ يغبّشانِ زجاجَ الصمتِ وشهوةَ المصابيح.
وأضيــــعُ في شبَهٍ
أنّ غيوماً ترتفعُ في ظلّك
أنّ صيوفاً تختمرُ في المسافةِ القصيرةِ بين جسدينا
أنكِ..
بإيماءٍ قولٍ
ستمسحين برداً شاسعاً.
كانَ ليلاً
بعتبٍ ثقيلٍ
يواربُ الهدوءَ
أو ـ بعيداً ـ يغادرُ المشهدَ
وأبقى ظلّينِ في الشبهِ.
خلفَ الغرقِ بنافذة
لا يحبّكَ الشعراءُ.
: تقولُ صديقتي
ثم تنحني لتلتقطَ مساءً كانَ قد سقطَ من شعرها
بينما أنهدمُ بين كفّي مدينةٍ صغيرةٍ، تلقي على انحنائها حقائبَ من ليلٍ وبيوتٍ ومفارقَ
ولا تغادرُ.
لا يحبكَ الشعراءُ،
تعيدُ.
خبرٌ آخرٌ
عن حذاءٍ قديمٍ.. ربما ملأتْ فراغه قدمُ راعٍ من الريفِ الروسي
كانَ على مقربةٍ والنبع، يبيعُ النبيذَ الأبيضَ لـ "رحمنينوف"
بينما الأخيرُ يهذّبُ باقةً من سنابلٍ سيوزّعها تمائمَ خرساءَ على مفاتيحِ البيانو.
..................
..................
وتنحني لتلتقطَ عِقداً ومساءً آخرَ،
أو ربما لتكنسَ خدراً خفيفاً عن حافةِ ثوبها
خبرٌ
عن الماءِ بكفّينِ مالحتينِ؛
يجعلُ من قمصانِ الغرقى أشرعةً ومناديلَ تلوّحُ للمودّعين
ومن أسنانهم صَدفاً سيلمعُ قليلاً، عندما أطفالٌ ـ بينَ شفتيهِ ـ يجمعونَ علبَ الرسائلِ الفارغة، ويتعثّرونَ بصمتٍ جعلهُ الفراغ.
لا يحبّكَ الشعراءُ.
تقول أيضاً:
إلا أني رأيتُهم شتاءً
يدفؤونَ حولَ موقدٍ صغيرٍ..
ويقرؤونَ شِعراً كنتَ كتبتهُ للبحر
بينما امرأةٌ
خلفَ زجاجِ النافذة
تمسحُ .. أثرَ الغرقِ عن عينيها.
حوارية حُمولُ الغيمْ
مبتلةٌ بالغيم، يساورُها البياضُ عن كلِّ شغفٍ.. وتنأى، سريرُها فيضُها.
ـ كنهرٍ أحرثُ المسافة
أنوءُ بضفتيَّ وأجمعُ جسدك.
ـ يهدرني أنكَّ نبعٌ.
ـ يهدرني أنكِّ نبعٌ.
ـ يدركني صوتكَ،
انهدامُ الليلِ أقماراً
يملئني، مثل سرابٍ غَمرٍ
تُعشِبُ
تلبسُني أصابعُكْ.
ـ سرّاَ أبذلُ شفتيكِ
أوقظُ سكرتَها
كغرقٍ أنجو في الخدرِ
تتقاسمني ماءٌ، ويضارعني حريق.
ـ سراً أسفحُ عينيكْ
كشرودٍ يقتصُّ غيابَك
تُهَماً أذرعُ ذاكَ الفيضَ.. وأحصدُني
بين ماءٍ ونارْ، نأيٌ وقمرٌ يرعى
خلتُكَ المسافة.
ـ كنتُ أسوِّي قوسَ العمرِ
كنتُ أُبيحُ حمولَ الغيمِ
كنتُ أهذبُ ظنَّ التوقِ
أُرفو أثداءَ الوحشة
وأحصي، آخرَ عنبٍ خمرَّه الصبحُ،
كمْ أيقظني أنَّ يديكِ سريري
كمْ ثلجٍ شاغبتُ.
ـ أثمرتُ طلوعاً
أغصاني انتباهُ الرغبة
عمِّدنيْ قطفاً.. نهباً يساورني الوِردُ.
ـ سرَّحتُ جسدي.. فأسرفتِ عبوراً
والدربُ عِتابٌ
لا يفضي
إلا إليكِ.
منذُ قطافٍ
راودْنا القمرَ لأقداحٍ خمرٍ.. فجنى اللمسُ بلوغَ العشبِ
آثرنا الجسدَ وقوداً؛
من دمشق إلى مدينةٍ أخرى
الحافلةُ قديمةٌ كالحزنِ..
والركابُ يصعدونَ الحزنَ ولا ينتبهون..
يسندونَ فراغاً سهلاً بمرافقَ سهلةٍ
صامتينَ، يغبشونَ بعضه
ثمّ صاخبينَ يطوونَ المسافة
فيريحوا كتفَ الحلم.
/.. جميعهم تعبوا
تركوا المكانَ الرخصَ للحديد
تركوا الملحَ على وجعِ المنازلِ،
والصورِ العتيقةِ..
تركوا الحجارةَ الزرقاءَ، تشحذُ الغيمَ
فهم..
يخشونَ الذكرى و رائحةَ المطر..
تركوا القصباتِ على حفافِ الطينِ،
تلدنَ الناي..
تركوا الجنازةَ.. دونَ حرّاسٍ
ـ والبيوتُ كالعاشقات ـ
تركوا الأشياءَ للأشياءِ
ثمّ انحسروا كالندم../
الحافلةُ قديمةٌ
وكنتُ..
وجهَ النافذةِ المعطّلة
أستعيرُ بعضَ فاكهةِ الظلِّ
لأنجو
ربما
كموعدٍ..
سيصيرُ إليَّ بعدَ مدينةٍ أخرى
فأُتعبُ الحلمَ:
كأنْ أهذّبَ الجسدَ،
قبلَ عينيها بورداتٍ قليلةٍ
كأن أخفي تعثّري/ مثلَ عُذرٍ:
"نمتُ قليلاً.. ولم أنتبه لغبارِ الحافلة
أو للمرآةِ التي انكسرت.."
أدعوها لمقهىً صغيرٍ
ـ لم يلتفتْ إليهِ العابرون... ـ
وتجلس قبالتي بكاملِ الضوء
أكتفي
بالإصغاءِ لشَعرها.. لسريرِ الهمسِ الخفيف.
ثمّ
نتحدثُ عن البلاد..
البلادِ التي تهدهدُ صخبَ قتلاها
البلادِ الحزينة، كأصابعِ المسافر
هناكَ
في البردِ المقابلِ للفرح..
حيثُ الأطفالُ يحملونَ الشوارعَ
رغمَ انحناءاتهم،
والمدنُ الماجنةُ
ترفعُ ضحاياها لموائدِ الضحك.
حيثُ الشوارعُ تحصي الأقدام
والأشجارَ التي بقيتْ
حيثُ الأشجارُ تقطّعُ العدمَ وترميهِ
حصصاً للنوافذ
حيثُ
جميعُنا
وصايا.
وقد نتحدثُ عن النبيذ.. شفتيها والنبيذ،
والسهوةِ الآخذةِ بينَ رنينِ الكؤوس
عن انتباهِ السكارى لملحِ عينينا
عن أكفنا التي تهربُ من عناقٍ بطيءٍ
و النشوةُ
تمشي بنا،
كالحرصِ على خيطِ الخدر.
قد نحكي..
عن الذينَ لم يحضنوا أطفالهم
جعلوا الأبوابَ مفتوحةً
فنبتَ مطرٌ ثقيلٌ فوقَ الشواهد.
الحافةُ قديمةٌ؛
وكانوا يقبضونَ على الجهاتِ بمناديلَ من روائحٍ ترابٍ. كانوا حُواةً؛ يحصونَ ملامحهم كأيّامٍ، و يستدرجونَ الغدَ ماءً لشفاههم.
كانوا رعاةً، يقودونَ الحقلَ
كانوا أشجاراً على ضفافٍ تهبُ الطريقَ إشاراتٍ زُرقٍ
كانوا الصورَ والأشياءَ والمنعطفات، كانوا التلالَ التي تتباعدُ، كانوا الغيومَ البيضَ على أصابع الجبال
كانوا الأطفالَ يلعبونَ تحتَ عرائشِ خفيضةٍ، كانوا الحجارةَ الفضّةَ وكانوا العشبَ بينها...
كانوا الخرزَ والتمائمَ على الجدران..
كانوا المطرَ لزجاجِ النوافذِ، والغبارَ الذي يلمعُ على ورقاتِ الزيتون
كانوا أصواتَ الجدّاتِ، وانشغالهن بإبرِ الصوف
كانوا الأرصفةَ والفوانيسَ والحانات
كانوا البيوت، كانوا الأبوابَ والمقابضَ؛
ـ تلكَ التي من نحاسٍ وكفوفٍ كثيرةٍ ـ
كانوا الليلَ
كانوا الصخبَ
كانوا الحافلة...
حافلةً من مدينةٍ أخرى
قديمةً أيضاً
ربما
تعودُ إلى دمشق.
في كلّ مرةٍ
أصرخُ فيها:
نجوتُ
يزدادُ صوتي ثقوباً.
سلاماً لمن أغمضَ عينيهِ.. ولم يستطع وداعاً.
في مديحِ الموت
ثم ماذا يا موتُ
و في وجهي سموتٌ خضراءُ لصحراء نبالك
لامتدادك الآثم على سرير صوتي
قلبيَ ـ يا موتُ ـ رخصٌ
فاغرس أنيابك جيداً في اتزان الخفق
وعِدني
أن سألقى الذينَ نجوا في فراغٍ ما من جهاتك
أدرْ لي عنقاً أبيضَ لأصدّق زرقةَ غيابي
وقل للذين يرفعون الآن أنخاب كثرتِكَ:
ستعودون دونَ جراحٍ متخثرةٍ على جلودِ أيامكم
وأزبادٍ طافحةٍ على فم الوقت؛
الجراح وصايا
وصايا الشعاراتِ المارقة كخواطرَ زيفٍ
قل لي ـ يا موتُ ـ إنّك تحبهم
بكاملِ ذكورتكِ السوداء
بكامل أمومتك الأرملة على شِباكِ اقتناصهم
بكاملِ أنكَ المشهدُ الأخيرُ
بكاملِ أنك موتٌ
تحبهم ...
قل:
أفيءُ على نبتهم بجدارِ الخَدر
أحفرُ لأجسادهم سماءً بحجم عتمةٍ لم تستطع اتّقادَهم
قل أشياءَ تعينُ الأحياءَ على الخبزِ وشتمِ الضوء
على تكثيفِ الملحِ جراراً في عيونٍ دوّرها الفقدُ.
قل يا موتُ:
إنّي الوصيُّ على ذاكرةِ الخوفِ واللمس الذي بتروا
قل كلاماً يلمعُ مثلَ نصلِ مشيئتك
كي أصدقَ فيكَ أحجيةَ الجداتِ الـ يغزلنَ من ثوبك أقاصيصَ عن البدء
بدءٍ آخرٍ
لا سلالةَ تكدّرُ طمأنينةَ زحفه
أو أحفاد يؤرقونَ سلامةَ كتفيهِ العاريتين.
خرّب يا موتُ اتّساقك/
وضوحَ شفتيك/
انزلاق قدمك العرجاء في جسدِ الصدفة/
خرّب أنك أنت/
رتابة نوافذكَ البصيرةِ في الطين.
لتكونَ ملاذاً
جسداً
فُكاهةً
أو مواربةً ليحينَ اليقينُ.
...
...
لتكون هو
ذاكَ الذي قالَ ليَ انتظرني؛
سنديرُ حديثاً آخر خارجَ مرآةِ الحربِ
لكنه ...
في شارعٍ ما
ـ وجوهٌ طاعنةٌ في التيهِ والخدرْ
وقاتلْ.
أصواتٌ تشدُّ السَّماء
لأيادٍ
تشتغلُ الحلم.
ـ حاجبان كثيران، وقبعةٌ للنّجوم والأوبئة
يبدو حارساً للعدم.
/كنت صغيراً جداً.. عندما حدثتني جدتي عن الحارسِ الذي صرعَه فارسٌ وسيم، فعاشت الأميرة
كنتُ صغيرْ
عندما رأيتُ الدِّماءَ تنزُّ من جبين أبي
وهو يغلقُ النوافذ..
كنتُ صغيراً أيضاً
عندما علمتُ..
أنَّ السَّماء تتدلى من مشنقة
أنَّ الحلم، يحرسُ الأطفالَ من اليقظة
واليقظة تحرس الكبارَ من الحلُم
كثيرون همُ الحراس
كثيرٌ هو.../
ـ مصابيحٌ تعلِّق اللَّيل
وفقدٌ يرفو الشفاه
وبينما أحصي الـ... التي ستكون:
تذكَّرت جسد حبيبتي..
الغارقَ بالقمح والشُّحوب
جسدَها الممدَّدَ كنهر
الصَّا
ا
ا
ا
عدَ مثلَ خيال الشَّجر.
ـ من عبر الصَّباح
سيؤرِّق عربةَ الموت.
ـ لو أستطيع..
ألمُّ دماءَ الذاكرة
ألمُّ العويل
وشرودَ النّاجينَ من الفرح
ـ فتاةٌ تبتاعُ الورودَ والحب
فتاةٌ
تحمل عينين بريتين
وشفاهاً
بلونِ التَّوق
والدماء.
ستبحثُ بين الرؤوس عن وجهها
رؤوسٍ تتدحرج للأعلى
رؤوسٍ
قابضةٍ على الشَّمس.
ـ أرواحٌ وفت بيقينها
ـ الموتُ أكثرُ عدالةً من القاتل ـ
والعرسُ الذي سيتمِّم الجنازةَ
أشدُّ إيلاماً
من
رصاصةٍ
في العنق.
ـ في شارع ما..
سأتوسَّد طفلاً
سأشتم بأقلّ الهزائم
وأصـ
ر
خ.
هو العطرُ
صورُ لفضاءٍ آخر
الموكبُ غادرَ:
بضعة أحلامٍ أخرى وتتبعُهم،
الدليلُ أسرج خيالَهْ.
ويهوي
ي
ي
ي رأسُكَ
فـ قلقٌ جميل.. يدنو بانتباه عاشقٍ
سيؤرقُ سلامةَ القلب
ويفضُّ الهدوءَ رويداً
مدٌ يطيـــــــــــــلُ إقصاااااااءَكْ
ينشيكَ بالتعبْ.
أنْ أباكَ
بكاملِ جسدهْ،
يسوِّي عينيكَ الصغيرتين،
يضرمُ شفتيهِ ليغبِّشَ الألمْ،
لكنَّ قلبَهُ
ي
س
ق
طْ
بين قدميكْ
يسندُ عرقَهُ إلى الهواء،
وبصوتٍ منخفض
يشتمْ.
يكفكفُ نظرتَهُ البعيدةَ / إليكْ
تحملُ قلبه
أيضاً تسقطُ بين قدميكْ.
ويرهقُ النافذةَ موجٌ، يُسبيك بشيءٍ يشبهُ اللمسْ،تباغتُ فجأةَ الأمسِ
تسكرُ إلى رؤاكَ.. وتنفثُ نبضكْ.
أن أنثاكَ
تطوي شمعتَها العشرين
كالرِّيحِ تلمحُ شعرك،
تسعى خمراً في الصمتْ
لتأوي إليها
كما الجائع لبعضِ يقينٍ
يؤاخذك الشكُ
أنَّها أنتْ
لن ترسو بين فراغِ يديك
لن تدنو.. أكثرَ من قبلة.
حتى الصَّمتُ يصغي نميمةَ الرعشَة
وإن عتمةٌ تمادتْ في البوحِ
قلتَ:
لمَّ بي ضوءٌ
البحرُ ضوعْ
والغيمُ شهوتُهُ
حديثُ الماء للماء
والضوء خبزٌ للحلُمْ.
من يحملكَ لهرجِهمْ
لضفةِ المطرْ
لسهولةِ النومِ من منأى
ومن
يأتيهم بكَ على أصابعٍ ريفٍ!؟.
يتُها المراكبُ
يا وليمةَ النسيان كم
ينجو
المسافر !
ويدنو المكانُ جميعاً
ما أوسعَك!
وفمُكَ يهذِّبُ الرغبة
ذراعاكَ للمدى تسبِّحُ الصُّدفةَ
أن اقتربْ:
"لتهدرَني جسداً يجيد التحديق
كعاشقٍ
حيلتُه النظر.."
جديرونَ بالألم
باتِّساقهِمْ هكذا، كعروش
جديرونَ يقودَك الدليلُ خطوَهمْ
قدماكَ في البحرِ، ورأسُكَ أبعدُ من وهمٍ
جديرونَ بالقلقْ.
الدليلُ أسرجَ خياَله، سارعكَ بصور ٍغبارْ،
آتاكَ بهم آتاهم بكَ
قذفاً يتلوكَ أجسادَهم، يراوغك كجنديّ، ويعاود المكمنْ،
يقولُ الأشياءَ والصيغةُ توق، الصيغةُ انتصارُ الصورة.
الدليل، يعبثُ برتابةِ التحديقْ، يتربَّصكَ كجهاتٍ
ياااااااااا..
جهةَ الريحْ
لا حدودَ يسعاها هو العطرُ
يلوِّثُكَ الحلْم
فتسكنَ
خارجكْ.
قصة قصيرة
ـ عندكَ بيت
وإن يئنُّ.. كقلبٍ جائع
عندكَ
أنْ تلوذَ لجدارٍ يحرس صمتَك
بشفاه الرعشة
يحملُ من رحل دافئاً
ما أقساه
ما أقساهُ وعيناكَ تطوي كثيرَ ملامحِهم
عيناك البحرُ لقُبلِ الضوء
وكلُّك توق.
ـ تضمُّك الذكرى
تلقي نهدها في شفتيك
تنحرُ صوتك:
"يا بيتُ..
يا بيتُ يضنيني البرد
يوجعني البابُ،أهمل طفلاً
أتعبني يا بيتُ
ولم يكبر
يا بيت..
يا حضنك الموج وسريرك الماء
قلبٌ يخفق بالأصابع
قلبك الأخضر
لن
يتَّسعَ
الآن
لوردة... "
ـ ها تمضي
قليلٌ أنتَ
والعاصفةُ ملءُ يديكْ..
كسيِّدٍ قتيلْ
تشيلك الوجوهُ / الحاشية
تواريك مثواها
يواريك عطرها
هكذا
يعتذرُ
الغيابُ
فيضنيك.
ـ هناك أنا
أطوف ـ بينَ ـ أغصانهم
فتثملُ الـ ـ بينَ ـ خطوي
عميقةٌ ترائبُهم
و
أرواحهم عالية
أرواحهم تعاا
ا
ا
نق دمي
ـ هنا أنت
وإن الطريقُ أضلَّك
قدماك حائرتان
وذاك الموجُ يهدهدُ رؤاك
فيغشى صوتُك
هكذا
يعتذر
الغيابُ
فيضنيك.
ـ ما عنديَ شيء؛
جسدٌ يتربصُه الضوء
يتربصُه .....
ما
عنديَ
شيء.
ـ عندك أنت؛
أن تعشقَ شكل العطرِ دون ثديٍ يغتالك.
ـ سأرتاحُ في تلك الوجوه
أدفن ما فاض من قلقٍ
في الـ يفيض من ضحكاتهم
صاعدٌ حتى الغرقْ
فهناك أنا
هناا
ا
ا
ا
ك أنا.
الصلاة:
"يا عيونُ
اغمريه برفقٍ يا عيون
أبيحيهِ للغرق الوردي
للقمرْ
لسماءِ اللهفةِ
لعذب العناق الأخير
زفيــــــــــــــــهِ.. يا عيون
فأرضُه قتلى
وروحهُ رخصةٌ
خبيــهِ.. إليكِ
قَبل جحيم
الحلْم
يا عيون
... "
نصوصٌ مقطوعة
أرقام لاتينية
كلّما أثمرنا جسداً
هيّئوا لنا مقبرةً جماعيّة.
جسدكِ هذا المساءُ نافذة:
سأدّعي نسيتُ المساءْ.
ثمة أصواتٌ قديمةٌ
مثلَ ذهابِ الريح
أراجيحُ صدئة..
في الفسحةِ التي أمامَ الدارِ وظلالٌ
ثمة أشياءُ لا تُحكى..
كيد طريةٍ تعضُ بقسوةٍ
على قدمِ الدميةِ التي نجت.
الجدرانُ المحايدة
الجدرانُ الزرقاءُ
الهادئةُ كـ لا شيء.
في الحاراتِ الناتئةِ،
من شوارعَ بنهاياتٍ مهذّبة.
تلكَ القديمةُ..
عليها
تماماً جوارَ الليل
يتركُ العاشقونَ
شفاههم
أو
تعرّقَ أصابعهم
مثلما
يتركُ القاتلُ
دمَ الضحيّة.
في الشارع الذي
تماماً في الزاويةِ المزدحمة..
كانا يجلسان؛
يدهُ في يدها غرفةٌ مهجورةٌ
وفمُها في فمهِ غابةٌ تحترق
كانا كثيرين
مثلَ حكايةٍ حولَ موقدٍ دافئٍ.
.....
.....
و
منذُ بردٍ
وفي الشارع الذي
الزاوية
لم
تعد
مزدحمة.
أمشي في شارعٍ باردٍ
بفوانيسَ شتائيةٍ.. وضوءٍ قصيرٍ على معطفي
يدك في مرفقي.. تحملُ عنّي الفراغ
أحدثكِ عن أشياءَ كثيرة:
كقدومٍ لا يحدثُ
والريحُ التي تنطفئُ على موقدٍ صغيرٍ
أمامَ شفاهٍ صغيرةٍ.
ثمّ..
لا تجيبين
فأنا
ومنذُ شارعٍ باردٍ
أدخل غرفتي بمرفقٍ وحيد
مازالَ يلتفتُ
ويحدّثُ
يداً
لا تأتي.
هشّةٌ تلك القصائد التي نجتْ
القصائدُ التي يقلّبها الضوءُ على العتبات
مثلَ أوراقٍ صفراء.
القصائدُ المبتلّة
كأقدامِ القطا حولَ بُركِ الماء
المتربّصة
بالمنسدلِ خلفَ النوافذ
هشّةٌ..
حتى أنها سقطت في الشبهةِ
بينَ شفتيكِ
والحرب.
كلّ هذا الفراغ
هو فقط
ما سقطَ من يديكِ
عندما قالتا:
وداعاً.
ديوان ضوء قصير سرير بارد
قصي زهر الدين/ سوريا
تعليقات
إرسال تعليق